[

المعلمونَ قادةِ الشّعوبِ

المعلمونَ قادةِ الشّعوبِ

كنت أقرأ منذ أيام ٍ سيرة رجلٍ عظيمٍ ، فإذا هو قد مارس التعليم في  مطلَعِ شبابِهِ.
دعتني هذه الملاحظةُ إلى التّفكيرِ في حياةِ المُعلّمِ، وعَجبتُ كيفَ أننا لا نُعنى بهذِهِ الحياةِ العِنايةَ الّتي تستحقُّها… ففي رأيي أنَّ مِهنةَ التّعليمِ أشرفُ المِهنِ وأشقُّها على الإطلاقِ . فأمّا أنها أشرفُ المهنِ، فلأنّها أبعدُها عن الأنانيّةِ، وأشدُّها إنكارًا للذاتِ.

الا ترى كيفَ أنَّ المُعلِّمَ لا يعيشُ لِنفسِهِ بل لِتلاميذهِ، ولا يَدرُسُ ويتعلّمُ، ويُنَقِّبُ ويسهرُ الليلَ، إلا لِيحمِلَ ثمراتِ عملِهِ المُنهِكِ، إلى هؤلاءِ الذينَ ينتظرونَهُ على مقاعِدِ المدرسةِ في الصّباحِ، حتّى إذا إنتهتِ السّنةُ، مضى من أمامِهِ فوجٌ، وحلَّ محلّهُ فوجٌ جديدٌ، يُعاوِدُ المُعَلِّمُ معهُ سيرَتَهُ الأولى!
وهكذا تمرُّ الأجيالُ تحتَ نظرِ المُعلِّمِ، فينشأُ مِنها الأبطالُ، والشُّعراءُ، والمُصورونَ، والأدباءُ ، والباحثونَ ، والمخترعونَ… ويقتحمونَ الحياةَ ، يُحارِبونَ بالسلاحِ الذي وضعهُ في أيديهم ذلك البطلُ المجهولُ.
وأمّا إنها أشّقُّ المِهنِ، فلأنَّ الساعاتِ الّتي يعملُ فيها المُعلّمُ، لا تُتيحُ لهُ راحةً.
فهُوَ أبدًا يشرحُ، ويتكلّمُ، ويُناقِشُ، وعشراتُ العيونِ محدِّقةٌ إليهِ، وعشراتُ الآذانِ مُصغيّةٌ إلى كلماتِهِ. وهوَ يواجِهُ في كلِّ ساعةٍ مُشكلةٌ، من هذهِ المشاكلِ الصغيرةِ التي لا يشعُرُ بِها سائِرُ النّاسِ.
فَهُناكَ التّلميذُ اللّعينُ ينتظِرُهُ هَفوةٍ تبدُرُ منهُ، ولا بُدَّ للمعلّمِ منَ التّدبُّرِ والحيطةِ. وهنا التلميذُ البليدُ، ينظُرُ ولا يرى ، ويُصغي ولا يفهمُ ، فلا بُدَّ للمعلِّمِ من إيقاظِهِ، وبعثِ الحياةِ في جسمِهِ المُتراخي.

هذا إلى دُروسٍ يجبُ أن تُحضَّرَ، وفروضٍ يجبُ أن تُصحَّحَ، وميزانٍ يجبُ أن يُمسكَهُ المُعلّمُ بيدهِ، ليحكُمَ على هذا وذاكَ حُكمًا يوحيهِ العدلُ والعقلُ.
فالمُعلّمُ يُسلّحُ أفكارَ الناشئينَ بالحقِّ أمامَ الباطِلِ ، وبالفضيلةِ ليقتلوا الرذيلةَ، وبالعلمِ ليقضوا على الجهلِ . إنّهُ يُشعلُ المِصباحَ المنطفئَ، ويضئُ الطّريقَ المُظلِمَ. ولو عَقَلَ النّاسُ، لأغنوا المعلّمَ، وأمكنوهُ من التّفرّغِ لِعلمهِ وإنتاجِهِ، وقاسوا الأشياءَ بفوائدها لقوموا المُعلّمَ أكبرَ قيمة.
 أيُّها المعلّمونَ ! حسْبُكُم فَخرًا وجراءً وشَرَفًا أنَّ العالمَ صنيعَ أيديكُم… وإنَّ الجهادُ فضيلةٌ تباركها روحُ الإلهِ المُعظّمِ

Scroll to Top