[
رد الجميل

رَدُّ الجَميلِ

رَدُّ الجَميلِ

كانَ سَميرٌ يُحِبُّ أنْ يَصنعَ المعْروفَ مَعَ كُلِّ النَّاسِ ، ولايُفَرِّقُ بينَ الغَريبِ والقَريبِ في مُعامَلتِهِ الإنسانيَّةِ ، فَهوَ يَتَمتعُ بِذكاءٍ خارِقٍ وَفِطْنَةٍ . عِندَما يَحضُرُ إِلى مَنزِلِهِ تَجِدِهُ رَغْمَ عُمُرِهِ الَّذي لا يَتجاوَزُ الحاديةَ عَشَرةَ ، يَستَقْبِلُكَ وَكأنَّهُ يَعْرِفُكَ مُنْذُ مُدَّةٍ طَويلَةٍ ، فَيقولُ أحْلى الكَلامِ وَيسْتقبِلُكَ أَحْسَنَ استقْبالٍ، وَكانَ الفَتى يَرى في نَفْسِهِ أنَّ عَليهِ واجِباتٌ كَثيرَةٌ نَحوَ مُجْتَمَعِهِ وَأهْلِهِ ، وَعَلَيهِ أنْ يُقدِّمَ كُلَّ طَيِّبٍ وِمُفيدٍ.

وَلَنْ يَنْسى ذَلِكَ الْمَوقِفَ العَظيمَ الَّذي جَعَلَ الجَميعَ يَنظُرونَ إلَيهِ نَظْرَةَ إكْبارٍ فَفي يَومٍ رَأى سَميرٌ كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ التَّعَبِ بِجِوارِ المنْزِلِ . فَلَمْ يَرْضَ أنْ يَترُكَهُ ، وَقَدَّمَ لَهُ الطَّعامَ والشَّرابَ وَظَلَّ سَميرٌ يَفْعَلُ هَذا يَوميًّا ، حَتَّى شَعَرَ بِأنَّ الكَلْبَ الصَّغيرَ قَدْ شُفيَ ، وَبَدأ جِسْمُهُ يَكْبُرُ ، وَتَعودُ إليهِ الصِّحَّةُ . ثُمَّ تَرَكَهُ إلى حالِ سَبيلِهِ . فِهوِ سِعيدٌ بِما قَدَّمَهُ مِنْ خِدمَةٍ إنسانيَّةٍ لِهَذا الحَيَوانِ الَّذي لَمْ يؤذِ أحَدًا وَلا يَسْتَطيعُ أنْ يَتَكلَّمَ وَيَشكو سَبَبَ نُحولِهِ وَضَعْفِهِ .

وَكانَ سَميرٌ يُرَبِّي الدَّجاجَ في مَزْرَعَةِ أبيهِ وَيَهْتمُّ بِهِ وَيُشْرِفُ على عِنايَتِهِ وِإطْعامِهِ وَكانَتْ تَسْليَةٌ بَريئَةٌ لَهُ .

وَذاتَ يَومٍ انطَلَقَتْ الدَّجاجاتُ بَعيدًا عَن القَفَصِ وَإِذا بِصَوتٍ هائلٍ مُرعِبٍ يُدَوِّي في أنْحاءِ القَريَةِ وَقَدْ أَفْزَعَ النَّاسَ. حَتَّى أنَّ سَميرًا نَفْسَهُ بَدَأَ يَتراجَعُ وَيَجري إلى المنْزِلِ ليُخْبِرَ والِدَهُ . وَتَجَمَّعَتْ الأُسْرَةُ أمامَ النَّافِذَةِ الَّتي تُطِلُّ عَلى المزْرَعَةِ وَشاهَدوا ذِئْبًا كَبيرَالحَجْمِ ، وَهوَ يُحاوِلُ أنْ يُمْسِكَ بالدجاجاتِ وَيَجْري خَلْفَها ، وَهيَ تَفِرُّ خائِفَةً مُفْزَعَةً، وَفَجْأَةً ، ظَهَرَ ذَلِكَ الكَلْبُ الَّذي كَانَ سَميرٌ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيهِ في يَومٍ مِنَ الأيَّامِ ، وَهَجَم عَلى الذِّئْبِ وَقَامَتْ بَيْنَهُما مَعْرَكَةٌ حَاميَةٌ ، فَهَرَبَ الذِّئْبُ ، وَظَلَّ الكَلْبُ الوَفيُّ يُلاحِقُهُ حَتَّى طَرَدَهُ مِنْ القَرَيةِ.

وَأَخَذَ سَميرٌ يَتَذَكَّرُ ما فَعَلَهُ مَعَ الكَلْبِ الصَّغيرِ، وَهاهوَ اليومَ يَعودُ ليَرُدُّ الجَميلَ لِهَذا الَّذي صَنَعَ مَعَهُ الجَميلَ ذَاتَ يَومٍ ، وَعَرَفَ سَميرٌ أنَّ مَنْ كَانَ قَدْ صَنَعَ خَيرًا فَإنَّ ذَلِكَ لَنْ يَضِيْعَ . وَنَزَلَ سَميرٌ إِلى مَزْرَعَتِهِ ، وَشَكَرَ الكَلْبَ عَلى صَنيعِهِ بأنْ قَدَّمَ لَهُ قِطْعَةَ لَحْمٍ كَبيرَةٍ ، جائِزَةً لَهُ عَلى ما صَنَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلى الدَّجَاجَاتِ ، فَوَجَدَها فَرْحانَةً تَلْعَبُ مَعَ بَعْضِها وَكَأنَّها في حَفْلَةِ عيدٍ جَميلَةٍ .

 

Scroll to Top