بيتنا القديمُ
أسكُنُ معَ عائلتي في بيتٍ قديمٍ ، وَرِثَهُ والدي عن جدّي وهو يقع في وسطِ القريَةِ، بجانِبِ الطّريقِ الرّئيسيّةِ الضّيّقة.
عَزَمتْ البلديّةُ يومًا، على شقِّ الطّريقِ وتوسيعِها. فقَرَّر الرّأيُ على أن تهدِمَ بيتِنا. وأخبرتنا بِذلِكَ، وطلبتْ البلديّةُ منا أن نترُكَ هذا البيتَ، ودفعت لنا تعويضًا مُناسِبًا.
في يومٍ، قَدِمَ العُمّالُ ؛ وكُنّا قد أفرغنا البيتَ مِنَ الأثاثِ وبدأوا يهدِمونَهُ ، بَدءًا بالسّطح ، ثُمَّ الحيطانِ والأبوابِ والنّوافِذِ … وكانت جرّافةٌ تنتظِرُ لِتُزيلَ آخرَ معالِمِ هذا البيتِ.
وقفتُ أراقِبهم، وقلبي يخفِقُ خفقاتِ الحُزنِ. ها هي الغُرفَةُ التي كُنتُ أنامُ فيها تنهارُ حجرًا بعد حجرٍ، وهُناكَ الغُرفَةُ التي وُلِدتُ فيها، قد أصبحت كومَةً من تُرابٍ، وغُرفَةُ الاستقبال قد صارت من دون سقفٍ، وقد خُلعتِ الأبواب، وانهارتِ الجدران كأنّها دموعٌ تسيلُ على وجنتي عجوز. واقتُلِعت الاشجارُ والازهارُ من حضن امها الحديقة الحنون .
وما هي إلا ساعاتٌ معدودَةٌ، حتّى أصبَحَ البيتُ رُكامًا من الحِجارةِ والتراب . أتت الجرّافَةُ، وراحت تَجرُفُ التُّرابَ، وتضعهُ في شاحِنَةٍ، لِتنقُلَهُ إلى مكان بعيد . وجُمِعتِ الحِجارَةُ جانِبًا، لِتُحملَ إلى مكان آخَرَ.
تركتُ المكانَ، وفي قلبي حسرَةٌ، وفي عيني دمعَةٌ، على البيتِ الذي وُلِدتُ فيهِ، ونشأتُ تحتَ سقفِهِ ، ولعبتُ معَ إخوتي في أرجائِهِ …
ذهبتُ إلى والدي باكِيًا ، فضَمّني إلى صدرِهِ، وسألني عمّا بي. ولمّا عرَفَ أنّي حزينٌ وعدني أن يبنيَ لنا بيتًا حديثًا ، في بقعَةٍ جميلةٍ من بلدتنا ، فأرضاني بوعدِهِ، وها أنا أعُدُّ الأيّامَ بانتظارِ تشييدِ البيتِ الجديد ؟