اِنْقَطَعَتِ الكَهْرَبَاءُ وَأنا أَكْتُبُ، فَغَرِقْتُ في الظَّلامِ. وَانْتَظَرْتُ قَليلاً. فَلَمّا طالَ غِيابُ النُّورِ قُمْتُ إِلى خِزانَةٍ في الْحائِطِ، فَأَخْرَجْتُ مِنْهَا شَمْعًةً كُنّا قَدِ ادّخَرْنَاها لِمِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ. أَنَرْتُ الشَّمْعَةَ، فَارْتاحَتْ نَفْسي للنُّورِ الشَّاحِبِ الضَّئيلِ ، وَاسْتَأْنَفْتُ الْكِتابَةَ، فَشَعَرْتُ أَنَّ الْكَلِماتِ أَخَذَتْ تَنْزِلُ عَلَيَّ، وَتَسيلُ مِنْ شِقِّ قَلَمي سَهْلَةً مِنْ دونِ عَناءٍ ، كَما يَهْمي الْمَطَرُ الْخَفيفُ.
إِنَّ في صُفْرَةِ الشَّمْعَةِ، وَهِيَ تَذوبُ لِتُنيرَ حَواشِيَ غُرْفَتي وَنَفْسي، حَياةً لا تَعْرِفُهَا الْكَهْرَباءُ. وَفَجْأَةً عَادَتِ الكَهْرَبَاءُ، وتَفَجَّرَ في الْغُرْفَةِ ذلك النُّورُ السَّاطِعُ. وَأَثَّرَ بي أَنْ تُكافِحَ الشَّمْعَةُ، وَتَحْتَرِقَ وَتَرْتَعِشَ وَتَذوبَ، حَتّى أَصْبَحَتْ هِيَ وَنورُها، مَأْساةً ذَليلَةً في حَضْرَةِ الْجَبَروتِالطّاغي.
عِنْدَئِذٍ امْتَدَّتْ يَدي إِلى زِرٍّ صَغيرٍ، فَأَطْفَأْتُ الْكَهْرَباءَ، وَقَضَيْتُ عَلى الطَّاغِيَةِ الْجَبَّارِ.
وَنَظَرْتُ إلى شَمْعَتي مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، وَأَنا أَكْتُبُ، فَخُيِّلَ إِليّ أَنَّها تَغْمِزُني، وَأَنَّها تَشْكُرُني بِابْتِسامَةٍ صَفْراءَ، فِيها أَلْفُ أَلْفِ مَعْنًى!